الجمعة، 1 مارس 2013

{ ...رحلة الغفــران ...}

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رحلة الغفــران ...

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...


منذ أن بنى خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام الكعبة والمسلمون يفدون إلى البيت العتيق
من كل فج عميق ليؤدوا مناسكهم وليطوفوا حول الكعبة المشرفة قبلة المسلمين وأول بيت وضع للناس ...


ليعبدوا الله على هُدى وبصيرة وعقيدة صافية نقية خالية من المعتقدات الباطلة والمفاهيم الخاطئة قال تعالى :-
( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين )

تستقبل مكة المكرمة ( بيت الله الحرام )
كل عام ضيوف بيت الله حجاج بيت الرحمن المعظم بكل حفاوه ...

تستقبل جموع كبيرة تركوا ديارهم وأولادهم آبائهم وأمهاتهم....

تركوا أعمالهم ومصالحهم ..

تركوا ملذات الحياة كلها ...

حتى الملوك تترك قصورها وتميل عن زخرف الحياة وحطامها...

هل تعرفون لماذا ؟؟؟
طمعاً في الغفرة والرضى من رب العالمين ...
يعلمون أن ماعند الله أعظم وأبقى ...

يدركون أن الثواب أكبر من كل الدنيا و أن وقفوهم هناك في بطاح مكة يجعل الله يباهي بهم ملائكته ..
ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :-

( مامن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ،
وأنه ليدنو عز وجل ثم يُباهي بكم الملائكة فيقول سبحانه وتعالى ما أراد هؤلاء ؟؟؟.)


حينما ودعوا أهاليهم ودولهم وبلدانهم كان وداعاً حزيناً فالموقف صعب جداً والرحلة مرهقة للغاية ...
فبعضهم كتب وصيته ورد ودائعه وأماناته فالأجال بيد الله تعالى والله وحده
هو الذي يعلم هل يعود أم يدفن في تراب مكة ليبعث ملبياً ...
رحلة عظيمة هي رحلة الغفران ...
رحلة كريمة للقاء الرحمن ...
رحلة يتصارع المؤمن فيها مع الشيطان ...
معركة ضد الذنوب والآثام ...


وبعد أن وصلوا إلى مكة ضيوفاً كرام إحتضنتهم أراضيها وإجتمعوا سوياً لافرق بين عربي
ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض ولا فرق بين صغير ولا كبير ولا غني
ولافقير كلهم سواسيه عند الله إجتمعوا ليؤدوا الفريضة ...
فلا فرق بين يمني ولاسعودي ولا مصري ولاسوري ولاسوداني ولانيجري ولا ...ولا ....
ولا أمريكي ولا فرنسي كلهم سواء عند الله يميزهم العمل الصالح ....
إغتسلوا وتطيبوا ثم أحرموا فتماثلوا ...
جميعهم يلبس ملابس بيضاء تذكرهم بأكفانهم لا إله إلا الله ملبين مهللين مكبرين يلهجون بذكر الله ...
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...

حُشروا وتزاحموا رغبة ورهبة وتلبية لنداء المنان تأدية لفريضة يكتمل بها دينهم الحنيف ....
اجتهدوا هناك وتفقهوا في الدين ولازموا الطاعات وأكثر من ذكر الله وحافظوا على الصلوات
وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ...
تعرفوا على خطة سيرهم ومراحل عبادتهم ...
طافوا حول البيت وإختاروا نسكهم فمنهم متمتع ومنهم مقرن ومنهم مفرد بالحج ...

أخواتي وأخواني في الله إستشعروا مشاعر الحج العظيمة إستشعروا هيبة الوقوف
أمام جبروت الله إستشعروا نبضات قلوبهم الضعيفة وهي تهتف
وتدعوا تخضع وتخشع وتلبي وكلما لبت إقتربت أكثر من الله ...

لا إله إلا الله لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...

وقد رأينا إجتماعهم بمنى وصلاتهم ومبيتهم فيها ثم توافدهم إلى صعيد عرفات ووقوفهم في ذلك اليوم العظيم من زوال الشمس إلى غروبه ...

العيون تغرورق من الدمع والشفاة قد جفت من هول الموقف والنداء يتكرر كل مرة
وخلجات أرواحهم تهتف يا الله يا أرحم الراحمين أعطنا إرزقنا ...

إكرمنا إشفنا عافنا ...
المريض يبكي بألم ينادي رحمن الدنيا ورحيمهما يا الله إشفني وعافني وإرفع عني البلاء والضر...
يا شافي يا معافي ياكاشف الضر عن أيوب يا منجي يونس المكروب فرج كربي ...
العقيم ينادي بصوت مبحوح محتاج تتقطع أنفاسه فالمحتاج ضعيف وحالته النفسية توهن جسده وتحطم قواه ...

يا الله ياربي ياخالقي كما خلقتني بقدرتك إرزقني ذرية صالحة ...
ياربي يامن رزقت غيري ذكوراً وإناثاً لاتحرمني...
يا الله يامنان ياحنان إرحم ضعفي بين يديك وتضرعي إليك ...

الفقير والمحتاج يستعطف أكرم الأكرمين فينادي ربه يا الله يا من بيده ملكوت كل شيء
يامن بيده مفاتيح الرزق كلها يا الله يامن له ميراث السماوات والأرض يامن يجير
ولايجار عليه أعتصم بك وألتجئ إليك وأمد يدي فلا تردني خائباً ومتحسراً ....

المذنب و العاصي يصرخ بألم يفجر الضيق المكبوت داخل جوفه يا الله ياربي أستغفرك وأتوب إليك ...
يعاتب نفسه ...
كيف سمعتُ الشيطان حينما زين لي الزنا وكيف سمحتُ للشيطان أن يلقي شفاهي في أكواب الخمور يا الله يا الله ...

يبكي يشهق وكأن روحه أوشكت على الخروج لا إله إلا الله ...
يا الله ياغفار يا الله ياتواب يا الله يا حليم أشكر حلمك على ذني وتوفيقك لي للوصول لهذا المكان
لأدعوك فأنا على ثقة بأن عفوك أكبر من ذني وبأن حلمك علي سيرشدني إلى الصواب يارب يارب يارب ...

أصواتهم تتخالط وتتعالى في رحاب مكة وسط البلد الأمين مقتدين بمنهج سيد الخلق
المصطفى الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم قائدنا ومعلمنا ودليلنا ...

يغتنمون الفرصة ويتسابقون للخير فلربما كانت هذه آخر حجة وربما الحجة الأولى والأخيرة ...

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( الحج عرفة ) روااه أبو داوود والترمذي ...

يرسم لي منظرهم يوم الحشر ويوم البعث لا إله إلا الله كيف سنحشر ؟؟؟
وكيف سيكون حالنا ؟؟؟

العرق يتصبب منهم وقت الصيف والريح تعصف بهم وقت الشتاء جالسين في العراء
على الجبل بعضهم والآخرين متفرقين حوله هنا وهناك لاشيء من متاع الدنيا معهم ....

كل يفكر في حاله وفي أعماله ماذا فعل ..
وماذا أعد ليوم الحشر ؟؟؟

نسأل الله السلامة والعافية ...
نسأل الله المغفرة ...
نسأل الله بوجهه الكريم الجنة ونعوذ به من النار ...
شعث غبر عراة حفاة يرجون رحمة الله ويطمحون بثوابه ونيل رضاه ومغفرته
إجتمعوا من كل حدب وصوب ...

مشهد تقشعر له الأبدان وتدمع له الأعين لا إله إلا الله هذه بعض أمة محمد صلى الله عليه وسلم...
كل هؤلاء على كثرتهم بإذن الله مسلمين إجتماعهم يرهب عدو الله ويخيفه
فالإجتماع شريعة في الإسلام بوقت معين وبساعات معينة وبمكان معين وبملبس معين وبخطة معينة ...

وبعد أن أنتهوا من الوقوف في عرفات تسير قوافل الحجيج على بركة الله صوب المشعر الحرام ( مزدلفة )
ليصلون بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً وليبيتون ليلتهم هناك ملبين ذاكرين شاكرين الله على فضله
وإحسانه وإكرامه أن كتب لهم شهود وقفة عرفات فلازالت ألسنتهم رطبة بذلك النداء الروحاني ...

لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...

وبعد صلاة الفجر ينصرفون قبل طلوع الشمس بسكينة وخشوع منشغلين بالتلبيبة
ويجمعون ( حصيات الرمي ) لرمي جمرة العقبة الكبرى فإذا وصلوا جمرة العقبة
إنقطعوا عن التلبية وشرعوا في رمي الحصيات التي جمعوها رافعين أيديهم مكبرين مصيبين في رميهم
الله أكبر ما أعظمها من شعائر فيصبح العيد عليهم بأجمل حلة حلة الإيمان والغفران حلة العتق من النيران لا إله إلا الله ...

فإن فرغوا من الرمي ذبحوا الهدي على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبهذا فقد تحللوا التحلل الأول ...

وبعد أن تحللوا إغتسلوا وتطيبوا وتوجهوا إلى مكة ليطوفوا طواف الإفاضة ( طواف الزيارة )
ويسعون إن لم يقوموا به من قبل ,,,
وبعدها يكون لهم التحلل الثاني ...

وبعدها يتبقى لهم رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر...
سبحان الله العظيم الذي شرع هذه الفريضة ورتب أحكامها بهذا الترتيب ...

بعد أن عرفنا هذا التصور لهذه العبادة وأدركنا عناء الرحلة وخضوع الجموع الغفيرة لله رب العالمين
تنشرح صدورنا حينما ندرك بأن جزاء الحج المبرور الجنة ...

مهما وصفتُ عظمة ذلك الموقف فسوف يخونني التعبير فليس المخبر كالمعاين أسأل الله الحي القيوم
أن يوفقنا جميعاً لحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ...


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تقبلوا خالص شكري وتقديري ...
( ملكة الإحساس )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق